سورة الفجر - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفجر)


        


{وَلاَ تَحَاضُّونَ} بحذفِ إحْدَى التاءينِ من تَتَحاضُّون أيْ لاَ يحضُّ بعضُكم بعضاً {على طَعَامِ المسكين} أي على إطعامِه. وقرئ: {تحاضونَ} من المحاضةِ، وقرئ: {يَحُضُّونَ} بالياءِ والتاءِ {وَتَأْكُلُونَ التراث} أي الميراثَ وأصلُه ورِاثٌ {أَكْلاً لَّمّاً} أيْ ذَا لمٍ أي جمعٍ بينَ الحلالِ والحرامِ فإنهم كانُوا لا يُورثونَ النساءَ والصيبانَ ويأكلونَ أنصباءَهم أو ويأكلونَ ما جمعَهُ المورثُ من حلالٍ وحرامٍ عالمينَ بذلكَ {وَتُحِبُّونَ المال حُبّاً جَمّاً} كثيراً معَ حِرص وشرَه. وقرئ: {ويُحبونَ} بالياءِ.
{كَلاَّ} رَدْعٌ لهمُ عن ذلكَ وقولُه تعالَى: {إِذَا دُكَّتِ الأرض دَكّاً دَكّاً} إلخ استئنافٌ جِىءَ به بطريق الوعيدِ تعليلاً للردعِ أيْ إذَا دكتِ الأرضُ دكاً متتابعاً حتى انكسرَ وذهبَ كلُّ ما عَلى وجهِها من جبالٍ وأبنيةٍ وقصورٍ حينَ زُلزلتْ وصَارتْ هباءً مُنبثاً وقيلَ: الدكُّ حطُّ المرتفعِ بالبسطِ والتسويةِ فالمَعْنى إذا سُويتْ تسويةً بعدَ تسويةٍ ولم يبقَ عَلى وجِها شيءٌ حَتَّى صارتُ كالصخرةِ الملساءِ، وأياً مَا كانَ فهو عبارةٌ عما عرضَ لها عند النفخةِ الثانيةِ {وَجَاء رَبُّكَ} أي ظهرتْ آياتُ قُدرتِه وآثارُ قهرهِ مثلَ ذلكَ بما يظهرُ عندَ حضورِ السلطانِ من أحكامِ هيبتِه وسياستِه، وقيلَ جاءَ أمرُهُ تعالَى وقضاؤُه على حذفِ المضافِ للتهويلِ.
{والملك صَفّاً صَفّاً} أي مُصطفينَ أو ذَوِي صفوفٍ فإنه ينزلُ يومئذٍ ملائكةُ كلِّ سماءٍ فيصطفونَ صفاً بعدَ صفٍ بحسب منازلِهم ومراتبِهم مُحدقينَ بالجِنِّ والإنسِ.
{وَجِىء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} كقولِه تعالَى: {وَبُرّزَتِ الجحيم} قال ابنُ مسعودٍ ومقاتلٌ تُقادُ جهنمُ بسبعينَ ألفَ زمامٍ كلُّ زمامٍ معه سبعونَ ألفَ مَلَكٍ يَجرونَها حتى تُنصبَ عن يسارِ العرشِ لها تغيظٌ وزفيرٌ وقد رَواهُ مسلمٌ في صحيحِه عن ابنِ مسعودٍ مَرْفُوعاً. {يَوْمَئِذٍ} بدلٌ مِنْ إذَا دكتْ والعاملُ فيهمَا قولُه تعالى: {يَتَذَكَّرُ الإنسان} أي يتذكرُ ما فرَّطَ فيهِ بتفاصيلِه بمشاهدةِ آثارِه وأحكامِه أو بمعاينةِ عينِه على أنَّ الأعمالَ تتجسمُ في النشأةِ الآخرةِ فيبرز كلٌّ من الحسناتِ والسيئاتِ بما يناسبُها من الصورِ الحسنةِ والقبيحةِ أَوْ يتعظُ وقولُه تعالى: {وأنى لَهُ الذكرى} اعتراضٌ جِىءَ بهِ لتحقيقِ أنه ليسَ يتذكرُ حقيقةً لعرائِه عن الجَدوى بعدمِ وقوعِه فى أوانه وأنَّى خبرٌ مقدمٌ والذكْرَى مبتدأٌ وله متعلقٌ بما تعلقَ بهِ الخبرُ أيْ ومنْ أينَ يكونُ له الذكْرَى وقد فاتَ أوانُها وقيلَ هناكَ مضافٌ محذوفٌ أيْ وأنَّى له منفعةُ الذكْرَى، والاستدلالُ به عَلى عدم وجوبِ قبولِ التوبةِ في دارِ التكليفِ مما لا وجه لَهُ، على أن تذكّره ليسَ من التوبةِ في شيءٍ فإنَّه عالمٌ بأنَّها إنما تكونُ في الدُّنيا كما يُعربُ عنْهُ قوله تعالى: {يَقُولُ ياليتنى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى} وهو بدلٌ اشتمالٍ من يتذكرُ أو استئنافٌ وقعَ جَواباً عن سؤالٍ نشأَ منْهُ كأنَّه قيلَ: ماذَا يقولُ عندَ تذكرِه، فقيلَ يقولُ يا ليتني عملتْ لأجل حياتِي هذِه أو وقتَ حياتِي في الدُّنيا أعمالاً صالحةً أنتفعُ بَها اليومَ وليس في هذا التمنِي شائبةُ دلالةٍ على استقلالِ العبدِ بفعلٍ وإنما الذي يدلُّ عليهِ ذلكَ اعتقادُ كونِه متمكناً من تقديمِ الأعمالِ الصالحةِ وأما أنَّ ذلكَ بمحضٍ قدرتِه أو بخلقِ الله تعالَى عندَ صرفِ قدرتِه الكاسبةِ إليهِ فكَلاَّ، وأما ما قيلَ من أن المحجورَ قد يتمنَّى إن كانَ ممكناً منْهُ فربما يوهُم أنَّ منْ صرفَ قدرتَهُ إلى أحدِ طَرفي الفعلِ يعتقدُ أنه محجورٌ من الطرفِ الآخرِ وليس كذلكَ بل كلُّ أحدٍ جازمٌ بأنَّه لو صرف قدرتَهُ إلى أي طرفٍ كانَ من أفعالِه الاختياريةِ لحصلَ وعلى هذا يدورُ فلكُ التكليفِ وإلزامُ الحجةِ.


{فَيَوْمَئِذٍ} أي يومَ إذْ يكونُ ما ذُكِرَ منَ الأحوالِ والأقوالِ.
{لاَّ يُعَذّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} الهاءُ لله تعالَى أيْ لا يتولَّى عذابَ الله تعالَى ووثاقَهُ أحدٌ سواهُ إذِ الأمرُ كلُّه لهُ أو للإنسانِ أي لا يعذبُ أحدٌ من الزبانيةِ مثلَ ما يعذبونَهُ وقرئ الفعلانِ على البناءِ للمفعولِ والضميرُ للإنسان أيضاً وقيل المراد به أُبيّ بن خلف أي لا يعذب أحد مثل عذابه ولا يُوثقُ بالسلاسلِ والأغلالِ مثلَ وثاقِه لتناهيهِ في الكفرِ والعنادِ وقيلَ: لا يحملُ عذابَ الإنسانِ كقولِه تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} وقولُه تعالى: {يأَيَّتُهَا النفس المطمئنة} حكايةٌ لأحوالِ مَنِ اطمأنَّ بذكرِ الله عزَّ وجلَّ وطاعتِه إثرَ حكايةِ أحوالِ مَنِ اطمأنَّ بالدُّنيَا، وصفتْ بالاطمئنانِ لأنَّها تترقَى في معارجِ الأسبابِ والمسبباتِ إلى المبدأِ المؤثرِ بالذاتِ فتستقرُ دونَ معرفتِه وتَستْغني بهِ في وجودِها وسائرِ شؤونِها عن غيرِه بالكليةِ، وقيلَ؛ هي النفسُ المؤمنةُ المطمئنةُ إلى الحقِّ الواصلةُ إلى ثَلَجِ اليقينِ بحيثُ لا يُخالجها شكٌّ مَا وقيلَ: هي الآمنةُ التي لا يستفزُهَا خوفٌ ولا حزنٌ ويؤيدُه أنَّه قرئ: {يا أيتها النفسُ الآمنةُ المطمئنةُ} أي يقولُ الله تعالَى ذلكَ بالذاتِ كما كلَّم مُوسى عليه السلامُ أو على لسان المَلَكِ عندَ تمامِ حسابِ الناسِ وهو الأظهرُ وقيلَ: عندَ البعثِ وقيلَ عند الموتِ.


{ارجعى إلى رَبّكِ} أي إلى موعدِه أو إلى أمرِه {رَّاضِيَةٍ} بما أوتيتِ من النعيم المقيمِ {مَّرْضِيَّةً} عندَ الله عزَّ وجَلَّ {فادخلى فِى عِبَادِى} في زمرةِ عبادِي الصالحينَ المختصينَ بي {وادخلى جَنَّتِى} معهُم أو انتظمِي في سلكِ المقربينَ واستضئِي بأنوارهم فإنَّ الجواهرَ القدسيةَ كالمَرَايا المتقابلة وقيل: المرادُ بالنفسِ الروحُ والمَعنْى فادخُلى أجسادَ عبادِي التي افترقتِ عنْهَا وادخُلِي دارَ ثوابِي، وهَذا يؤيدُ كونَ الخطابِ عندَ البعثِ وقرئ: {فادخلي في عَبْدِي} وقرئ: {في جسدِ عَبْدي} وقيلَ: نزلتْ في حمزةَ بنِ عبد المطلبِ وقيل: في حُبيبِ بنِ عديَ رضيَ الله عنهُمَا والظاهرُ العمومُ.
عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «منْ قرأَ سورةَ الفجرِ في الليالِي العشرِ غُفرَ لَهُ ومنْ قرأهَا في سائرِ الأيامِ كانتْ له نوراً يومَ القيامةِ».

1 | 2